عاد أيلول إذن ..
عاد أيلول و هو مثقل بالذاكرة ..
عاد أيلول حاملاً في جعبته الكثير.. الكثير.. من الذكريات ..
ذن عاد أيلول..
عندما كنت صغيرة كنت أفرح بقدوم الربيع ..
كنت أعشق شهر نيسان ..
لكنني عندما كبرت .. أصبح عشقي للخريف ...أصبح عشقي لأيلول ..
ربما لأنه صامت ..
يسمع أنيني بصمت .. و يشاركني حزني و فرحي بصمت ..
أشتكي إليه بصمت .. و ينصت إلي بصمت ..
يبادلني المشاعر بصمت ..
لأنه بصمته يشبهك .. و لأنك بصمتك تشبهه ..
أنتما معاً .. تنتميان لمدرسة الصمت ..
كم من الكلمات قلتها بصمت ..
و كم من القصائد ألقيتها بصمت ..
كم سمعت منك بصمت ..
وكم تحدثت إليك بصمت ..
لازلت أذكر نظارتك السوداء ... التي لم تفلح في إخفاء الدموع المحبوسة في العينين الحنونتين المحمرتين قبل الوداع ..
لازلت أذكر كيف جفت دموعك بصمت ..
اعتذرت بصمت ..
اعتذرت عن حبك .. و عن مشاعرك ..عما فعله حبك بي ..
حبك الذي تسلل إلى قلبي بصمت ..
عبرت عنه بصمت ..
ورددت عليك بصمت ..
عن قصتك التي بدأت بصمت ..
القصة التي أكثر ما فيها الصمت ..
أنهيت القصة بصمت ..
رحلت بصمت ..
وعلي أن أنساك بصمت ..
وأن أدفن حبك بصمت ..
و أن أنهض من جديد بصمت ..
آه ما أبلغ الصمت ..
ما أقوى الصمت ..
ما أجل الصمت ..
و أصعب الصمت ..
عاد أيلول إذن ..
وبدأت الشوارع تتزين بالذهب .. بورق الأشجار الأصفر ..
وبدأت الغيوم الحزينة تبكي على صيف مضى ..
و أنا أبكي على حب قد قضى ..
رحلت ...
لا.. لست راحلاً.. فكثرٌ هم الراحلون رغم بقائهم بقربنا ..
و قلةٌ هم الباقون بالرغم من رحيلهم عنا ..
( صديقي ) .. لن تبقى ذكرى ...
بل ستبقى عبقاً ثائراً .. أشربه مع كل فنجان قهوة سادة ..
( صديقي ) ..
مثلما كنا نضحك سوياً .. و نبكي سوياً .. اذهب مع السلامة ...
رافقتك السلامة ...
كتبت هذه الخاطرة في دمشق ............. أيلول 2008