سحر العيون (6)
قررت الذهاب إلى البيت بأطول طريق ممكنة ..
مشيت من كلية الهندسة باتجاه البرامكة .. مروراً بكلية الاقتصاد .. ثم الفنون ..
حتى وصلت لمبنى وكالة الأنباء سانا .. فكلية الحقوق .. ثم أنعطف يساراً باتجاه جسر الرئيس ..
ثم نزلت لساحة الميكرباصات ( السيرفيس ) تحت الجسر ..
مشيت هذه المسافة الطويلة تحت المطر ..
دون أن أفتح قلبي ...
حتى أحافظ على كل محتوياته من الرسائل أولاً ..
وثانياً حتى لا تسيح بي مشاعري في شوارع دمشق مثل المرة الماضية ...
اركب في سيرفيس ركن الدين ..
يسير بنا في الشوارع المزدحمة .. و كل مائة متر يتوقف .. تنزل أناس و تركب أناس ..
طالت الطريق و تأخرت أكثر مما توقعت .. أحسست حينها باختياري الأحمق لهذا الخيار ..
و أنني ( لله الحمد ) لم أكن مضطرة لأن أقحم نفسي في هذه ( العجقة) .
أستدير نحو النافذة ويسرح بي التفكير كيف سأصل إلى غرفتي .
.
حيث أستعيد فيها شريط ما حدث اليوم ..
فهناك فقط أستطيع أن افتح قلبي ..
في غرفتي سأجلس أمام غياب جسده و حضور نظراته ..
في غرفتي سأقرأ كل الرسائل ..
في غرفتي سأطلق العنان لكل المشاعر ..
في غرفتي سأفشي أسراري لمن يحفظ الأسرار..
للأريكة .. للطاولة .. للكرسي الدوار..
للمرسم .. للخزانة .. للستائر ..
لصديقي الدب ( BOOH ) ..
سأبوح بأسراري لمن يحترف الصمت ..
هناك في مملكتي .. سأستحضر نظراته .. و سأكون أنا المبادرة ..
سأسأله .. و أناقشه .. و أجادله .. سأعرف كل أسرار السحر في نظرات عيونه ..
يأتي صوت الموبايل .. ليوقظني من سرحاني هذا ..
أفتح حقيبتي .. إنها أمي ..
_ وينك هالة شغلتي بالي ؟ ..
_ ماما أنا جايي عالطريق ..
أسمع منها بعض العبارات التي أعتدت عليها .. ثم تغلق الخط ..
أنظر إلى النافذة !!!!!!!!!!!!
يا الله ..
لقد تجاوزت المكان الذي سأنزل فيه .. أطلب من السائق التوقف بسرعة ..
أنزل من الميكروباص .. لآخذ سيارة أجرة توصلني إلى البيت ..
أصل إلى البيت و أنا أضحك من سخافة ما قمت به ..
أقبل والدتي .. وأتناول الغداء معها على عجل ..
أدخل غرفتي ..
أبعد الستارة ..
أفتح النافذة المطلة على بساتين العدوي ( جزء متبقي من غوطة دمشق ) ..
لا تزال السماء تمطر ..
آخذ نفساً عميقاً حتى تمتلئ رئتاي ..
جميلة هي النسمات المشبعة برذاذ المطر ..
بدأ الظلام يخيم على البساتين و الأنوار البعيدة قد أضيئت ..
بدأ شعورٌ بالرهبة يتسلل إليَ ..
رهبة مما في قلبي .. و ليست رهبة من الظلام ..
أخاف أن أغلق النافذة .. و أعود لعالمي الصامت ..
أخاف من نفسي .. من مشاعري .. من قلبي .. وعلى قلبي ..
أخاف أن أستدير .. و أرى نفسي في المرآة..
أخاف أن أبكي ..
لا لن أبكي .. لن أكون ضعيفة .. فأنا ... هالة ..
أشحذ من قوتي ..
أغلق النافذة و الستارة ..
أجلس إلى مكتبي .. أقلب في أشيائي المبعثرة عليها .. كمن يبحث عن شيء يجهله ..
أجد دفتر نظريات العمارة ..
أتذكر ليلة الأمس ...
أستعيد ما حدث اليوم ..
أستعيد نظراته ..
أشعر أنني مشتاقة ..
لسحر نظراته ..
لعباراته القاطعة ..
لنبرة صوته ..
لرقي مشيته بقربي ..
أشعر بغصة في حلقي .. و حرقة في صدري .. وبرودة في أطرافي ..
أشعر بالحيرة مما أنا فيه ..
أريد أن أعرف أين أنا و ما سبب توهاني ..
أبحث عن تفسير لما أنا فيه ..
أفكر أن أتصل بسلمى ..
أن أخبرها بكل شيء علها تساعدني .. علها تنصحني .. علها توقظني ..
أرفع سماعة الهاتف أبدأ بضرب الرقم ...
أغلق السماعة قبل أن أكمل ..
لا لن أكلم أحد ..
أنا من سيحل مشكلتي ..
أعود لنار تفكيري من جديد ..
الحيرة تقتلني ..
أتراني وقعت بـ ......
لا.. لا ..
ولم لا ..؟
هذه أعراضه ..
لا ..
لا لن أقولها ..
لا لن أستسلم لهذه الكلمة ..
لن أسمح لهذه الكلمة أن تلامس قلبي ..
لن أسمح لها أن تلامس عقلي ..
لن أسمح لأذني أن تسمعها ..
لن أسمح لعيني أن تراها ..
لا وجود لما أفكر به أبداً .. و لن يكون ما أفكر به أبداً ..
أنتفض واقفة ..
لمن سأشتكي ...و لمن سأبوح ..؟
أتيقن حينها ... أنني وقعت ...
أنظر حولي ..
لا أجد سوى مخدتي على السرير ..
أرتمي عليها .. و أجهش بالبكاء ...
........................
سحر العيون هو الجزء الأول من رواتي .. التي ربما سأسميها " هالة .." .
أرجو أن تنال إعجابكم ....
............ هالة ............